الدعوى الجزائيّة في نظام المحكمة الجنائيّة الدوليّة: إشكاليّة الإجراء وازدواجيّة المعايير، القضيّة الفلسطينيّة نموذجًا
Loading...
Files
Date
2021-04-14
Authors
أحمد, فتحي أحمد عبد الله
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة النجاح الوطنية
Abstract
يتناول هذا البحث موضوع الدعوى الجزائيّة المقدّمة للنظر فيها أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة، وما تواجهه من تعقيدات وإشكاليّات في ظلّ ما يفرضه النظام الخاصّ بهذه المحكمة، وما يتطلّبه من إجراءات محدّدة يجب السير بموجبها. ويتناول أيضًا المسار التاريخي لنشوء هذا الفرع من القانون، بقواعده الموضوعيّة والإجرائيّة، ابتداءً من المحاكمات التاريخيّة ذات الطابع الدولي للأفراد، في مطلع القرن العشرين إبان الحرب العالميّتين الأولى والثانية، وانتهاءً بالمحكمة الجنائيّة الدوليّة، في غمرة انضمام دولة فلسطين لمعاهدة روما، وما يترتّب على ذلك من إجراءات قانونيّة لملاحقة الذين ارتكبوا الجرائم ضدّ الشعب الفلسطيني في ظلّ ازدواجيّة المعايير، وفرض الهيمنة، وسياسة الأمر الواقع.
ويركّز هذه البحث اهتمامه على الجانب النظري والإجرائي المتعلّق بنظام المحكمة الجنائيّة الدوليّة الدائمة الذي صدر في عام 1998م، والذي دخل حيّز النفاذ مع التوقيع عليه من قبل الدولة الستين في 1/7/2002م، وهو تاريخ مباشرة المحكمة لاختصاصها في محاكمة مرتكبي جريمة أو أكثر من الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصها.
ومن الواضح في المشهد السياسي العالمي أنّ المحكمة الجنائيّة الدوليّة قد باتت اليوم تعدّ الهيئة القضائيّة الدوليّة الجنائيّة المختصّة بالنظر في الجرائم ضدّ الإنسانيّة، وجريمة الإبادة الجماعيّةّ، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان. وهي بهذا الاختصاص تميّزت بمكانة مرموقة، واكتسبت أهميّةً بارزةً، ومثّلت حضورًا لافتًا في المعترك السياسي العالمي بكلّ ما فيه من تجاذبات وتحدّيات، وهذه ربما كانت سببًا في تعثّر سير العدالة إلى درجة أن أصابها شيء من القصور والفتور أحيانًا.
إنّ سؤال البحث في هذه الرسالة يدور حول ما إذا كانت المحكمة الجنائيّة الدوليّة تمثّل نموذجًا جديدًا للعدالة يختلف عن عدالة المنتصر (محاكم نورمبرغ وطوكيو)، وعن عدالة القوّة (يوغسلافيا ورواندا هي محاكم اقامها مجلس الامن)؟ وللإجابة عن ذلك سأهتمّ في مناقشة موضوع الإحالة، وما ينطوي عليه من أهميّة، وفي تفسيره من قبل المدّعي العامّ، هذا بالإضافة الى ما يتعلّق بموضوع الثقافة القانونيّة نظرًا لما تفرضه الثقافة الغربيّة من تأثير ونفوذ في الإجراء، مثل الإجراء الاتهامي، وهو إجراء خاصّ بالقانون المشترك، والإجراء التنقيبي، وكذلك بالقانون المدني الروماني. ولتوضيح هذا النموذج للعدالة الدوليّة والتوقف عند حدوده وتأثير السياسة فيه أقترح دراسة الملفّ الفلسطيني، وما يمثّله من أهميّة في كونه يضع العدالة الدوليّة على المحكّ، كذلك لا بدّ أن نتساءل عن التوقّعات المستقبليّة لهذا الملفّ الشائك، وهل هي توقعات واقعيّة، أم مبالغ فيه؟
ولا شكّ أنّ أهميّة هذه المحكمة تظهر في النتائج العمليّة التي تصدر عنها، وذلك بعد أن يتمّ تحريك الدعوى الجنائيّة أمامها ضمن إجراء قانوني يخضع مساره لإحدى الوسائل التالية: الأولى يطلق عليها إحالة "الحالة"، حيث تتنقل الدعوى أو الحالة لتوضع أمام المحكمة بناءً على طلب يتقدّم به مجلس الأمن الدولي، أو إحدى الدول الأطراف، أو غير الأطراف بناءً على شروط وإجراءات محدّدة بشكل دقيق. أمّا الوسيلة الثانية فتتمثّل بتحرك المدّعي العامّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة وتدخّله من تلقاء نفسه لإجراء تحقيق في إحدى الجرائم المذكورة ودونما إحالة. وبناءً على ما تقدّم فإنّ البحث هنا يتناول الطرق الثلاث لوصول الدعوى الجنائيّة أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة، وإجراء التحقيق فيها بما في ذلك ما يبرز من إشكاليّات وتعقيدات خارجة عن سلطة المحكمة وعن إرادتها أدّت إلى تسييس بعض القضايا، وازدواجيّة في المعايير المطبّقة في النظام المتّبع. وستكون القضيّة الفلسطينيّة شاهدًا على صدق عدالة تنتظر الولادة، بعد أن ظلّت غائبةً وراء سطوة القوّة والترهيب والمساومة.