إعادة تأهيل وتخطيط القرية الفلسطينية - قرية الطنطورة

Loading...
Thumbnail Image
Date
2023
Authors
خولة ابو زهيدة
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
Abstract
في رواية “الطنطورية”، تقول الكاتبة رضوى عاشور عن حكاية قرية الطنطورة: “شدتني الحكاية لكنني قلت لنفسي إن الحكاية ناقصة”، وأنا أيضاً عندما قرأت الرواية شعرت أنه ما زال هناك الكثير لنعرفه عن واحدة من أهم القرى الفلسطينية قبل نكبتنا عام 48، ومن هنا بدأت هذه الحكاية. الحديث عن حكايات كهذه يعيدنا إلى زمن بعيد بعض الشيء، كنت طفلة لم أبلغ من العمر خمسة عشر عاماً عندما قرأت الرواية، وبقيت عالقة في ذهني حتى اليوم، قرأتها لمرات ومرات وعشت التجربة في كل مرة كأنها المرة الأولى، سرت في شوارع القرية وأروقتها وفي مبانيها وعشت حياة أهلها، كبرت الصورة معي حتى دخلت تخصص الهندسة المعمارية في الجامعة. لطالما اهتممت بتاريخ القرى الفلسطينية التي قام على ركامها "الكيان الصهيوني"، كان الأمر شغفاً طويلاً، كان يأخذني برحلة طويلة عبر الزمن، ولطالما كان يجعلني أعيش في دائرة حزن طويلة ترتبط بذهني بضرورة تقديم شيء أياً كان، هذا الشغف أعادني لقراءة رواية "الطنطورية" مرة أخرى، لتكون هذه المرة مختلفة، لقد فتحت الباب أمامي على عالم جديد كفيل بتحقيق ما كبرت عليه وهو أن أكون حاملة رسالة أينما ذهبت، ومنذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها قسم الهندسة المعمارية في جامعة النجاح الوطنية قررت أن تكون رسالتي هي أن أحدث أثراً وأبني أملاً أينما وضعتني حياتي العملية، وهذا ما أوصلني بالنهاية إلى اختيار قرية الطنطورة لتكون الحجر الأساسي في مشروعي للتخرج من الجامعة والمشاركة في مسابقة (إعادة إعمار القرى الفلسطينية المدمرة) . قرية الطنطورة وهي قرية فلسطينية تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا، وكانت تمر منها سكة حديد القاهرة - حيفا، وتبلغ مساحتها ما يقارب ١٤ الف دونم، وقد بلغ عدد سكان القرية قبل النكبة ما يقارب ال١٧٠٠ نسمة، وعمل أهلها في مجال الصيد والزراعة، كما اهتموا بالتعليم فبنوا مدارسهم من أموالهم الخاصة، حيث قالت رضوى عاشور عن روح القرية وأهلها: " في بلادنا حلاوة الروح." كانت تلك القرية الوادعة تشرف على البحر، أو يمكننا أن نصفها بأنها كانت حد البحر أو كما وصفتها الرواية حين قالت الكاتبة: " البحر حد البلد يعيرها أصواته وألوانه، يلفها بروائحه، نشمها حتى في رائحة خبز الطابون"، نعم لهذه الدرجة هي قريبة من البحر الأبيض المتوسط، ويتداخلان جغرافياً ومكانياً وتاريخياً، وتميزت بشاطئها المزين بأربع جزر. وكغيرها من القرى الفلسطينية كان لها نصيبها من بطش الاحتلال ومجازره التي كانت أداته للاستيلاء على أهم ما يملكه الفلسطينيون.. أرضهم، وقد كانت ليلة ٢٢ -٢٣/٥/١٩٤٨ علامة فارقة في تاريخ القرية، حيث هاجمت العصابات الصهيونية القرية، قتلت واغتصبت وأسرت أهلها، وقد زاد عدد ضحايا المجزرة عن ال٢٥٠ شهيداً، وصنعت نكبة القرية الخاصة حين هجرت سكانها، هذا كله ساهم في جعل القرية بقعة جغرافية ارتبطت بأذهان الناس وقالت رضوى على لسان أهل القرية : "ركضنا طلبا للحياة و نحن نتمنى الموت"، نعم هذا كان مشهد البلاد في تلك الليلة، البحر من خلفهم والعصابات الصهيونية أمامهم، وبين الاثنين زوبعة من الموت تلتهمهم وتنفيهم إلى اللاوجود. "أضواء النفق" هو عنوان مشروعي الذي يهدف إلى إعادة إحياء قرية الطنطورة المهجرة، في هذا المشروع درست تاريخ قصة التراجيديا المستمرة حتى الآن، في صفحاتها بكيت مرات ومرات لكنني كنت أمسح الدمعات لأكمل المشوار، حين درست الهندسة المعمارية لم يمكن هدفي أن أعمر بيتاً أو مجمعاً سكنياً، كان هدفي أن أعمر أرضاً، وفي مشروعي كان هدفي أن أحيي وأعيد صياغة الجغرافيا كما يجب أن تكون لا كما أرادوا. بالعودة خطوات للوراء، عدنا في أروقة القصة خطوات كثيرة لتاريخ تشكل بشكل لم يرده أي منا، بشكل مختلف تماماً عن الكيفية التي كان من المفترض أن تكون عليه قرية فلسطينية ساحلية وادعة كقرية "الطنطورة"، لكنها لمعت لوقت طويل وعلقت بذاكرة التاريخ بسبب المجزرة التي قتلت روح القرية قبل أن تدمرها، ومن هنا جاءت فكرة المشروع لتضيء على نقاط معمارية وتاريخية مهمة تساعدنا في صياغة مستقبلها وإحياءها بأكثر العناصر اللي علقت بذهن أصحابها .. المجزرة والبحر. كل هذه الرموز تكاملت معاً في نصب تذكاري فوق الموقع الذي اكتُشف فيه وجود القبر الجماعي لما يقارب ال250 شهيد وهو موقف السيارات التابع لمستوطنة "نوحشليم" – الآن- الواقع على شاطىء البحر، حيث يحكي المشروع قصة الطنطورة ويكشف ما حدث بها من قتل وتهجير ونهب للأرض والعمارة والتاريخ، بأسلوب فلسفي سلس يدمج الضوء للتعبير عن الفكرة في مجموعة من المحطات التي تساعد الزائر في تقمص المعاناة التي شعر فيها أهالي الطنطورة وعيشها، ويحيي ذكرى شهدائها بعيداً عن وصفهم بالأرقام والتعبيرات التي اعتدنا عليها، وهذا كله من منطلق أن شهداء الطنطورة وفلسطين أقمار تنير طريقنا لا أرقام ، تأكيداً على أن كل شهيد هو حلم وحكاية وربما مشروع لم يكتمل لكنه ينير الطريق الذي نسير فيه نحو الحرية الحتمية . بعد اختيار موقع المشروع تبعاً للمحددات السابقة تم توجيه المشروع على امتداد الشارع الرئيسي للقرية، لتسليط الضوء عليه وجعله المحطة البارزة والأولى لكل من يزور القرية، ولإضفاء أهمية إضافية للمشروع وللموقع الذي تم اختياره، تم حصره بجدار على شكل نصف دائرة، ومن منطلق أن البحر والمجزرة هما أبرز ما علق في ذاكرة أهاليها وكل من سمع عنها، تم توجيه المشروع باتجاه البحر ودمجه في، بحيث تكون بداية النصب التذكاري من موقع القبر الجماعي ممتداً باتجاه البحر إلى جزيرة الشدادة المقابلة له على شكل مسار لمسافة تقارب ال٤٠٠ متر. تنقسم الرحلة إلى ثلاث محطات تبدأ في مركز الزوار، ومن ثم إلى مسار مستقيم ينقسم إلى جزئين على جانبيه، كل جانب منهما يعبر عن نكبة حلت على أهالي الطنطورة، النكبة الأولى هي التجهير وتقسم إلى ثلاث محطات تبدأ بالقرية ثم الهجرة ثم المنفى تم التعبير عن كل منهما برموز تحكي القصة، وعلى الجهة الأخرى تحكي قصة المجزرة بنفس الأسلوب. يحيط المشروع في الجزء الواقع على الشاطئ إضاءات تعبر عن الشهداء كما سبق وذكرنا، يحيط بها مدرج يستطيع الزائر من خلاله الاستمتاع باندماج الضوء مع البحر بمنظر ساحر ربما لن يتكرر في أي مكان آخر، أما بالنسبة لمسار البحر فيستطيع من خلاله الزائر الاستمتاع ببحر الطنطورة الخلاب عن طريق رحلة استكشافية بالقارب، ومن ثم العودة إلى المسار ثم إلى المحطة الأخيرة، والمحطة الأهم هي محطة العودة التي تم التعبير عنها بمنارة يحيط بها درج دائري يكمل تسلسل الرحلة ليتمكن الزائر في النهاية من الاستمتاع بمنظر القرية من الأعلى كتعبير أنه عاد لها، وللمنارة وظيفة أخرى تتمثل في كونها تعمل على إرشاد السفن إلى قرب البر. كل هذه العناصر تتعلق بموقع المجزرة والنصب التذكاري، وامتدت منه إلى باقي أجزاء القرية بأسلوب قريب لامتداد شوارعها وعناصرها المعمارية المختلفة قبل النكبة، وبإعادة أهم الخدمات لموقعها الأصلي كالمركز والميناء. يمكننا القول أن هذا المشروع هو الصفحة الأولى من تصورنا الخاص عن هذه القرية التي التصقت بالتاريخ لأسباب كثيرة معظمها تراجيدي بامتياز، لكننا وإذ صورنا الشهداء أقماراً في مشروعنا هذا، نحاول تعبيد طريقنا وتاريخ القرية بالأمل عله يوصلنا إلى المستقبل الذي ننشده ليس للطنطورة فحسب بل لكل موقع وقرية ومدينة على طول البلاد وعرضها، إذ كيف يمكن للتاريخ أن يحتمل هذا الكم من الألم للبلاد والإنسان أو كما قالت رضوى عاشور: "كيف يحتمل كتاب صغير أو كبير آلاف الجثث، قدر الدم، كم الأنقاض، الفزع"، ولكي نقفل هذا الكتاب، نحاول كتابة صفحات هذا التاريخ بشكل مختلف نوعاً ما وقد حاولنا أن نصنع من الألم نوراً، من يدري ربما تكون هذه الصفحات مفتاح طريق الحرية القادم علنا نعود ذات يوم للطنطورة ونتنفس البحر بكل ما أوتينا من سعة لنضمد جراح من عاش آباؤهم وأجدادهم النكبة وعاشوا هم مرارة الغربة والتهجير
Description
Keywords
Citation