السياسة الايرانية تجاه ثورات الربيع العربي: الثورة السورية نموذجاً

Thumbnail Image
Date
2018-10-14
Authors
سلامه, ياسر ابراهيم عمر
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة النجاح الوطنية
Abstract
تُشَكِّلُ إيْرَانُ قُوَّةً إقْلِيْمِيَّةً فَاعِلَةً وَمُؤَثِّرَةً فِي المَنْطِقَةِ العَرَبِيَّةِ وَالعَالَم، بِحُكْمِ المُقَوِّمَاتِ الاسْتْرَاتِيْجِيَّةِ وَالحَضَارِيَّةِ وَالجِيُوْسِيَاسِيَّةِ الَّتِي تَمْتَازُ بِهَا، فِي ظِلِّ وَاقِعٍ عَرَبِيٍّ ضَعِيْف، تَفْتَقِدُ فِيْهِ مُعْظَمُ الأَنْظِمَةِ العَرَبِيَّةِ لِلْقَرَارِ السِّيَاسِيِّ المُسْتَقِل، وَمُقَوِّمَاتِ السِّيَادَةِ الحَقِيْقِيَّة، حَيْثُ التَّبَعِيَّةِ وَبِدَرَجَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ لِلْقُوَى الغَرْبِيَّةِ المُهَيْمِنَةِ فِي العَالَم، وَبِمَا يُهَدِّدُ مَصَالِحَ إيْرَانَ الحَيَوِيَّةِ فِي مُحِيْطِهَا الجُغْرَافِي. بَعْدَ قِيَامِ الثَّوْرَةِ الإسْلَامِيَّةِ الإيْرَانِيَّةِ عَامَ 1979م، وَسُقُوْطِ النِّظَامِ الإيْرَانِيِّ المُتَحَالِفِ مَع القُوَى الغَرْبِيَّة، تَحَوَّلَتْ إيْرَانُ إلَى قُوَّةٍ إقْلِيْمِيَّةٍ مُعَادِيَةٍ لِجَمِيْعِ أشْكَالِ الهَيْمَنَةِ الإمْبِرْيَالِيَّةِ عَلَيْهَا وَعَلَى مُحِيْطِهَا الجِيُوْسِيَاسِي، وَبِذَلِكَ فَقَدْ أصْبَحَتْ فِي حَالَةِ صِرَاعٍ مُبَاشِرٍ وَتَصَادُمٍ مَع مَصَالِحِ القُوَى الغَرْبِيَّةِ المُهَيْمِنَةِ عَلَى المَنْطِقَةِ العَرَبِيَّة، وَتَحْدِيْداً فِي الجِوَارِ الإيْرَانِي، وَبِطَبِيْعَةِ الحَال، فَقَدْ أصْبَحَتْ سِيَاسَةُ إيْرَانَ الخَارِجِيَّةِ مُتَنَاقِضَةً بِشَكْلٍ كَامِلٍ مَع سِيَاسَاتِ الأنْظِمَةِ العَرَبِيَّة، المُرْتَبِطَةِ بِعَلَاقَاتٍ تَحَالُفِيَّةٍ مَع القُوَى الغَرْبِيَّةِ المُهَيْمِنَةِ عَلَى المُحِيْطِ الجُغْرَافِي وَالجِيُوْسِيَاسِي الإيْرَانِي، الأَمْرُ الَّذِي انْعَكَسَ بِشَكْلٍ سَلْبِيٍّ عَلَى حَالَةِ الأمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ فِي المَنْطِقَة، وَتَسَبَّبَ فِي أزَمَاتٍ حَادَّةٍ فِي المَوَاقِفِ السِّيَاسِيَّةِ وَالأَمْنِيَّةِ الإقْلِيْمِيَّةِ وَالعَالَمِيَّة، مِنَ القَضَايَا ذَاتِ الاهْتِمَامِ المُشْتَرَكِ بَيْنَ الجَانِبَيْن. مَع انْطِلَاقِ ثَوْرَاتِ "الرَّبِيْعِ العَرَبِي" وَامْتِدَادِهَا إلَى مُعْظَمِ البُلْدَانِ العَرَبِيَّة، اتَّخَذَتْ إيْرَانُ مَوْقِفاً دَاعِماً لِثَوْرَاتِ الشُّعُوْبِ العَرَبِيَّةِ وَمُؤَيِّداً لَهَا، ضِدَّ أنْظِمَةِ الحُكْمِ القَائِمَة، بِاعْتِبَارِهَا أنْظِمَةً اسْتِبْدَادِيَّةً مُتَحَالِفَةً مَع "قُوَى الاسْتِكْبَارِ العَالَمِيَّة"، ضِدَّ مَصَالِحِ الشُّعُوْبِ العَرَبِيَّةِ "المُسْتَضْعَفَة"، كَمَا اعْتَبَرَتْ إيْرَانُ بِأَنَّ تَحَرُّكَ الشَّارِعِ العَرَبِيِّ الثَّوْرِي، قَدْ جَاءَ اسْتِلْهَاماً مِنْ وَحْيِّ الثَّوْرَةِ الإيْرَانِيَّة، رَفْضاً لِسِيَاسَاتِ القُوَى الغَرْبِيَّةِ العَالَمِيَّةِ فِي المَنْطِقَةِ العَرَبِيَّة، وَبِذَلِكَ فَقَدْ أظْهَرَتْ ثَوْرَاتُ "الرَّبِيْعِ العَرَبِي" حَجْمَ الاسْتِقْطَابِ وَالتَّنَاقُضِ الحَادِّ فِي المَوَاقِفِ وَالتَّوَجُّهَات، بَيْنَ أهْدَافِ إيْرَانَ وَتَطَلُّعَاتِهَا وَسِيَاسَاتِهَا الخَارِجِيَّةِ مِنْ جِهَة، وَبَيْنَ مَوَاقِفِ الأنْظِمَةِ العَرَبِيَّةِ وَسِيَاسَاتِهَا وَتَحَالُفَاتِهَا الدَّوْلِيَّةِ مِنَ الجِهَةِ الأُخْرَى. ظَهَرَ المَوْقِفُ الإيْرَانِيُّ المُتَنَاقِضُ مِنْ ثَوْرَاتِ "الرَّبِيْعِ العَرَبِي"، بَعْدَ قِيَامِ الثَّوْرَةِ السُّوْرِيَّةِ مَع مَطْلَعِ العَام 2011م، وَتَحَوُّلِهَا لَاحِقاً تَحْتَ وَطْأَةِ القَمْعِ الأمْنِيِّ إلَى ثَوْرَةٍ مُسَلَّحَةٍ مُوَجَّهَةٍ مِنَ الخَارِج، بِهَدَفِ إسْقَاطِ نِظَامِ الحُكْمِ القَائِمِ فِي سُوْريَا بِقِيَادَةِ الرَّئِيْس "بَشَّارِ الأَسَد"، حَيْثُ وَقَفَتْ إيْرَانُ مَع نِظَامِ الحُكْمِ المُتَحَالِفِ مَعَهَا فِي سُوْريَا ضِدَّ ثَوْرَةِ الشَّعْبِ السُّوْرِي، بِعَكْسِ مَوْقِفِهَا العَامِّ الدَّاعِمِ لِثَوْرَاتِ الشُّعُوْبِ فِي بَقِيَّةِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّة، وَفِي سِيَاقِ تَفْسِيْرِ هَذَا التَّنَاقُضِ فِي المَوْقِفِ الإيْرَانِي مِنَ الثَّوْرَةِ السُّوْرِيَّة، فَقَدْ اعْتَبَرَتْ إيْرَانُ أنَّ الرَّئِيْسَ "بَشَّارِ الأَسَد" بِمَثَابَةِ حَلِيْفٍ اسْتْرَاتِيْجِيٍّ لَهَا فِي المَنْطِقَةِ العَرَبِيَّة، وَعَلَيْه، فَإِنَّ سُوْريَا هِيَ جُزْءٌ مِنْ مِحْوَرِ "المُقَاوَمَةِ وَالمُمَانَعَة"، الَّذِي تَقُوْدُهُ إيْرَانُ ضِدَّ مَشَارِيْعِ الهَيْمَنَةِ الغَرْبِيَّةِ عَلَى مُحِيْطِهَا العَرَبِي، وَبِذَلِكَ تُصْبِحُ الثَّوْرَةُ السُّوْرِيَّة، وَالتَّدَخُّلَاتُ الخَارِجِيَّةُ فِي سُوْريَا، بِهَدَفِ إسْقَاطِ نِظَامِ الحُكْمِ القَائِم فِيْهَا، بِمَثَابَةِ مُؤَامَرَةٍ عَلَى الدَّوْلَةِ السُّوْرِيَّة، خِدْمَةً لِمَصَالِحِ القُوَى الغَرْبِيَّةِ المُهَيْمِنَةِ فِي العَالَم، وَعَلَيْه، تَرَى إيْرَانُ أنَّ مَوْقِفَهَا مِنَ الثَّوْرَةِ السُّوْرِيَّةِ قَدْ جَاءَ مُنْسَجِماً مَع مَبَادِئِهَا الثَّوْرِيَّةِ فِي مُوَاجَهَةِ "قُوَى الاسْتِكْبَارِ العَالَمِيَّة"، وَالوُقُوْفِ مَع "المُسْتَضْعَفِيْنَ" فِي العَالَم. تَهْدِفُ هَذِهِ الدِّرَاسَةُ إلَى مُحَاوَلَةِ تَحْدِيْدِ مُقَوِّمَاتِ التَّعَاوُن، وَالقَوَاسِمِ المُشْتَرَكَة، وَتَأكِيْدِ ضَرُوْرَاتِ التَّقَارُب، وَالمَصَالِحِ المُتَبَادَلَة، بَيْنَ إيْرَانَ وَمُحِيْطِهَا العَرَبِي، الأمْرُ الَّذِي قَدْ يُسْهِمُ فِي إنْهَاءِ الكَثِيْرِ مِنَ الأَزَمَاتِ وَالمَلَفَّاتِ السِّيَاسِيَّةِ وَالأَمْنِيَّةِ الشَّائِكَةِ بَيْنَ الجَانِبَيْن، وَبِمَا يُعَزِّزُ الأَمْنَ وَالاسْتِقْرَارَ فِي المَنْطِقَةِ العَرَبِيَّة، فَقَدْ أثْبَتَتْ ثَوْرَاتُ "الرَّبِيْعِ العَرَبِي" عُمُوْماً، وَالثَّوْرَةُ السُّوْرِيَّةُ عَلَى وَجهِ الخُصُوْص، أنَّ إيْرَانَ قُوَّةٌ إقْلِيْمِيَّةٌ فَاعِلَةٌ وَمُؤَثِّرَةٌ فِي مُحِيْطِهَا العَرَبِي، وَيُمْكِنُ لَهَا أنْ تُسَاهِمَ فِي تَعْزِيْزِ الأمْنِ الإقْلِيْمِيِّ وَاسْتِقْرَارِه، بِنَاءً عَلَى أُسُسِ التَّعَاوُنِ المُشْتَرَك، وَالاحْتِرَامِ المُتَبَادَل، وَالمَصَالِحِ الثُّنَائِيَّة، وَعَوَامِلِ التَّقَارُبِ مَع جِيْرَانِهَا العَرَب، بَعِيْداً عَن الأجِنْدَاتِ الخَارِجِيَّةِ وَالتَّبَعِيَّة، وَهَيْمَنَةِ القُوَى الغَرْبِيَّةِ الإمْبِرْيَالِيَّةِ عَلَى الدُّوَلِ العَرَبِيَّة. وَعَلَيْه، فَقَدْ جَاءَ سُؤَالُ الدِّرَاسَةِ الرَّئِيْس مُحَدَّداً حَوْلَ مَاهِيَّة دَوَافِع إيْرَانَ وَأَهْدَافهَا مِنَ الوُقُوْفِ ضِدَّ الثَّوْرَةِ السُّوْرِيَّةِ إلَى جَانِبِ نِظَامِ الحُكْم، بِعَكْسِ مَوْقِفِهَا العَام الدَّاعِمِ لِثَوْرَاتِ الشُّعُوْبِ فِي مُخْتَلَفِ بُلْدَانِ "الرَّبِيْعِ العَرَبِي". تَظْهَرُ أهَمِّيَّةُ هَذِهِ الدِّرَاسَةِ فِي مُحَاوَلَةِ التَّعَرُّفِ عَلَى الرُّؤيَةِ الإيْرَانِيَّةِ لِأَزَمَاتِ المَنْطِقَةِ العَرَبِيَّة، مِنْ حَيْثُ الدَّوَافِعِ وَاسْترَاتِيْجِيَّاتِ المُعَالَجَة، بِهَدَفِ تَحْقِيْقِ نَوْعٍ مِنَ المُقَارَبَاتِ الَّتِي مِنْ شَأنِهَا المُسَاهَمَة فِي إيْجَادِ الحُلوْلِ المُنَاسِبَةِ لِحَالَةِ عَدَمِ الاسْتِقرَارِ وَنَهْجِ الاسْتِقطَابِ السِّيَاسِي وَالإيْديُوْلُوْجِي الَّذِي تَشْهَدُهُ المَنْطِقَةُ العَرَبِيَّةُ مَع إيْرَان، بِمَا فِي ذَلِكَ اسْتِقْطَابُ الأزمَةِ السُّوْرِيَّةِ المُسْتَعْصِيَة، حَيْثُ تُعْتَـبَرُ إيْرَانُ طَرَفاً فَاعِلاً وَمُؤَثِّراً بِقُوَّةٍ فِي مُتَغَيِّرَاتِهَا. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِك، فَقَدْ تَمَّ تَحْدِيْدُ فَرَضِيَّةِ الدِّرَاسَة عَلَى اعْتِبَارِ أنَّ إيْرانَ فِي مَوْقِفِهَا مِنَ الأَزمَةِ السُّوْرِيَّة، إنَّمَا تَسْتَنِدُ عَلَى التَّحَالُفِ التَّارِيْخِيِّ مَعِ النِّظامِ السُّوْرِيّ، بِهَدَفِ تَحْقِيْقِ مَصَالِحِهَا وَبَسْطِ نُفُوذِهَا، مُعْتَبِرَةً مَا يَحْدُثُ فِي سُوْريَا مُؤَامَرَةً مُوَجَّهَةً بِأَجِنْدَةٍ خَارِجِيَّة، تَسْتَهْدِفُ حَلِيْفاً مُهِمّاً لَهَا، دَاعِماً لِلْمُقَاوَمَةِ اللُّبْنَانِيَّةِ وَالفِلَسْطِيْنِيَّةِ فِي وَجهِ "إسْرَائِيْل"، ضِمْنَ مُخَطَّطٍ يَسْتَهْدِفُ مِحْوَرَ "المُقَاوَمَةِ وَالمُمَانَعَةِ" الَّذِي تَقُوْدهُ إيْرَانُ ضِدَّ السِّياسَاتِ الغَرْبِيَّةِ فِي المَنْطِقَة، مَا اسْتَدْعَى تَوْظِيْفُ المَنْهَجِ "الوَصْفِي التَّحْلِيْلِي" بِشَكْلٍ أسَاسِيٍّ فِي هَذِهِ الدِّرَاسَة، بِهَدَفِ وَصْفِ مُحَرِّكَاتِ الثَّوْرَاتِ العَرَبِيَّةِ وَدَوَافِعِهَا، وَالنَّتَائِجِ الَّتِي تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا، الأمْرُ الَّذِي يَتَطَلَّبُ أيْضَاً تَفْسِيْراً مَنْطِقِيّاً وَتَحْلِيْلاً مَوْضُوْعِيّاً لِلْمُحَدِّدَاتِ النَّاظِمَةِ لِلْمَوْقِفِ الإيْرَانِيِّ وَدَوَافِعه. وَأَخِيْراً، فَقَدْ أكَّدَتْ نَتَائِجُ هَذِهِ الدِّرَاسَة، عَلَى أنَّ السِّيَاسَةَ الخَارِجِيَّةَ الإيْرَانِيَّةَ تِجَاهَ ثَوْرَاتِ العَالَمِ العَرَبِي عُمُوْماً، إنَّمَا تَنْطَلِقُ مِنْ مُحَدِّدَاتٍ برَاجْمَاتِيَّة، تَخْدِمُ مَصَالِحَ إيْرَانَ الاسْترَاتِيْجِيَّة، وَمَنَاطِقَ نُفُوْذِهَا الحَيَوِيَّة، وَحِمَايَةِ حُلَفَائِهَا وَالدِّفَاع عَنْهُم، فِي بِيْئَةٍ إقْلِيْمِيَّةٍ وَدَوْلِيَّةٍ تَتَنَاقَضُ فِيْهَا الأهْدَافُ وَالمَصَالِحُ لِلْقُوَى المُهَيْمِنَة وَالنَّافِذَة فِي العَالَم، كَمَا يُشَكِّلُ البُعْدُ الإيْديُوْلُوْجِيُّ الثَّوْرِيُّ التَّحَرُّرِيُّ المُعَادِي لِلْقُوَى الإمْبِريَالِيَّةِ المُهَيْمِنَةِ عَلَى الشُّعُوْبِ العَرَبِيَّةِ وَالإسْلَامِيَّةِ "المُسْتَضْعَفَة"، مُنْطَلَقاً آخَر فِي سِيَاسَةِ إيْرَانَ الخَارِجِيَّةِ تِجَاه الأَنْظِمَة الحَاكِمَة فِي العَالَمِ العَرَبِي وَالإسْلَامِي.
Description
Keywords
Citation