الطريقة الجزئية في التعليم بين علم النفس والتربية الاجتماعية
Loading...
Date
2012-11-08
Authors
أ.د. عبد القادر سلاّمي
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
Abstract
<p>لئن أثبتت التجارب التعليمية أن الطّريقة الكلية أفضل من الطريقة الجزئية؛ لأنه كلّما كان الموضوع المراد تعلمه متسلسلا تسلسلا منطقيا أو طبيعيا كلما سهل تعلمه, فالموضوع الذي يكوّن وحدة طبيعية يكون أسهل في تعلمه بالطريقة الكلية عن الموضوعات المكونة من أجزاء لا رابطة بينها، إلاّ أنّ اتّباع الطّريقة الجزئية في التحصيل والتبليغ من أنْسَب الأساليب التربوية قدرة على التواصل بين الأجيال وهو ما تؤيّده تجارب الأقدمين كذلك. فقد عقد ابن خلدون لذلك فصلاً في مقدمته بعنوان(في أنّ كثرة التأليف في العلوم عائقة عن التحصيل)، جاء فيه: "اعلَمْ أنّهُ ممّا أضَرَّ بالنّاس في تحصيل العلمِ والوقوفِ على غاياتهِ كثرةُ التأليف واختلافُ الاصطلاحاتِ في التعليم، وتعدُّدُ طُرُقها، ثمّ مطالبَةُ المتعلِّم والتلميذ باستحضار ذلك. وحينئذٍ يسلَّمُ لهُ منصبُ التحصيلِ، فيحتَاجُ المتعَلِّمُ إلى حفظِها كلِّها أو أكثَرِها ومراعاةِ طُرُقها. ولا يفي عمًرُهُ بما كُتِبَ في صناعةٍ واحدةٍ إذا تجرَّد لها، فيقعُ القُصور ولا بُدَّ دون رِتْبَةِ التحصيل...وثمَّ إنَّهُ يُحْتَاجُ إلى تمييزِ (طرق القدماء)وطُرقِ المتأَخِّرينَ عنهم، والإحاطَةِ بذلك كلِّه، ..ٌ. والمتَعَلِّمُ مُطَالَبٌ باستحْضَارِ جميعِها وتمييزِ ما بينها، والعُمُرُ ينقضي في واحد منها. ولو اقتَصَرَ المعَلِّمُونَ بالمُتَعَلِّمينَ على المسائلِ المذهبِيَةِ فقط، لكانَ الأمرُ دون ذلك بكثيرٍ، وكان التَّعليمُ سهْلاً ومأْخَذُهُ قريباً؛ ولكَّنَهُ داءٌ لا يرتَفعُ لاستقرارِ العَوَائدِ عليه، فصارت كالطَّبيعةِ التي لا يمكنُ نقلُها ولا تحويلُها. ويمثَّلُ أيضاً عِلْمُ العَرَبِّيَةِ من كتابِ سيبويه(ت180هـ)ِ، وجميعِ ما كُتِبَ عليه، وطرقِ البَصْريينَ والكُوفيِّين والبَغْدَاديِّينَ والأندَلُسيِّين من بعدهم، وطرقِ المُتَقَدِّمينَ والمتَأَخِّرينَ مثلِ ابنِ الحَاجِبِ (ت646هـ) وابنِ مَالكٍ(ت682هـ) وجميعِ ما كُتِبَ في ذلك. وكيفَ يُطَالَبُ به المتَعَلِّمُ ، وينقَضي عُمُرُهُ دونَهُ، ولا يَطْمَعُ أحَدٌ في الغَايَةِ منهُ إلاَّ في القليلِ النَّادِرِ؟! "<br />
فلعلّ ابن خلدون قصد بذلك التّدريب الموزّع الذي يخضع لفترات متباعدة تتخللها فترات من الرّاحة. أما التدريب المركّز, فيتم في وقت واحد وفي دورة واحدة, وقد وجد أنه يؤدي إلى التعب والملل, ويكون عرضة للنسيان؛ وذلك لأن فترات الراحة التي تتخلل التدريب الموزّع تؤدي إلى تثبيت ما يتعلمه الفرد.<br />
على أنّ التّحصيل التربوي تحكمه عدّة عوامل نفسية وأخرى اجتماعية, ترجع إلى طبيعة الفروق الفردية أو إلى طبيعة التّوجيه الذي قد يحيي الرّغبة في الدّراسة أو النّفور منها, وكلّ هذا قد يؤثّر على نوعيّة التّحصيل سلبا أو إيجابا. وهو ما تسعى الدراسة التالية إلى عرض تفاصيله.</p>
<p>لئن أثبتت التجارب التعليمية أن الطّريقة الكلية أفضل من الطريقة الجزئية؛ لأنه كلّما كان الموضوع المراد تعلمه متسلسلا تسلسلا منطقيا أو طبيعيا كلما سهل تعلمه, فالموضوع الذي يكوّن وحدة طبيعية يكون أسهل في تعلمه بالطريقة الكلية عن الموضوعات المكونة من أجزاء لا رابطة بينها، إلاّ أنّ اتّباع الطّريقة الجزئية في التحصيل والتبليغ من أنْسَب الأساليب التربوية قدرة على التواصل بين الأجيال وهو ما تؤيّده تجارب الأقدمين كذلك. فقد عقد ابن خلدون لذلك فصلاً في مقدمته بعنوان(في أنّ كثرة التأليف في العلوم عائقة عن التحصيل)، جاء فيه: "اعلَمْ أنّهُ ممّا أضَرَّ بالنّاس في تحصيل العلمِ والوقوفِ على غاياتهِ كثرةُ التأليف واختلافُ الاصطلاحاتِ في التعليم، وتعدُّدُ طُرُقها، ثمّ مطالبَةُ المتعلِّم والتلميذ باستحضار ذلك. وحينئذٍ يسلَّمُ لهُ منصبُ التحصيلِ، فيحتَاجُ المتعَلِّمُ إلى حفظِها كلِّها أو أكثَرِها ومراعاةِ طُرُقها. ولا يفي عمًرُهُ بما كُتِبَ في صناعةٍ واحدةٍ إذا تجرَّد لها، فيقعُ القُصور ولا بُدَّ دون رِتْبَةِ التحصيل...وثمَّ إنَّهُ يُحْتَاجُ إلى تمييزِ (طرق القدماء)وطُرقِ المتأَخِّرينَ عنهم، والإحاطَةِ بذلك كلِّه، ..ٌ. والمتَعَلِّمُ مُطَالَبٌ باستحْضَارِ جميعِها وتمييزِ ما بينها، والعُمُرُ ينقضي في واحد منها. ولو اقتَصَرَ المعَلِّمُونَ بالمُتَعَلِّمينَ على المسائلِ المذهبِيَةِ فقط، لكانَ الأمرُ دون ذلك بكثيرٍ، وكان التَّعليمُ سهْلاً ومأْخَذُهُ قريباً؛ ولكَّنَهُ داءٌ لا يرتَفعُ لاستقرارِ العَوَائدِ عليه، فصارت كالطَّبيعةِ التي لا يمكنُ نقلُها ولا تحويلُها. ويمثَّلُ أيضاً عِلْمُ العَرَبِّيَةِ من كتابِ سيبويه(ت180هـ)ِ، وجميعِ ما كُتِبَ عليه، وطرقِ البَصْريينَ والكُوفيِّين والبَغْدَاديِّينَ والأندَلُسيِّين من بعدهم، وطرقِ المُتَقَدِّمينَ والمتَأَخِّرينَ مثلِ ابنِ الحَاجِبِ (ت646هـ) وابنِ مَالكٍ(ت682هـ) وجميعِ ما كُتِبَ في ذلك. وكيفَ يُطَالَبُ به المتَعَلِّمُ ، وينقَضي عُمُرُهُ دونَهُ، ولا يَطْمَعُ أحَدٌ في الغَايَةِ منهُ إلاَّ في القليلِ النَّادِرِ؟! "<br /> فلعلّ ابن خلدون قصد بذلك التّدريب الموزّع الذي يخضع لفترات متباعدة تتخللها فترات من الرّاحة. أما التدريب المركّز, فيتم في وقت واحد وفي دورة واحدة, وقد وجد أنه يؤدي إلى التعب والملل, ويكون عرضة للنسيان؛ وذلك لأن فترات الراحة التي تتخلل التدريب الموزّع تؤدي إلى تثبيت ما يتعلمه الفرد.<br /> على أنّ التّحصيل التربوي تحكمه عدّة عوامل نفسية وأخرى اجتماعية, ترجع إلى طبيعة الفروق الفردية أو إلى طبيعة التّوجيه الذي قد يحيي الرّغبة في الدّراسة أو النّفور منها, وكلّ هذا قد يؤثّر على نوعيّة التّحصيل سلبا أو إيجابا. وهو ما تسعى الدراسة التالية إلى عرض تفاصيله.</p>
<p>لئن أثبتت التجارب التعليمية أن الطّريقة الكلية أفضل من الطريقة الجزئية؛ لأنه كلّما كان الموضوع المراد تعلمه متسلسلا تسلسلا منطقيا أو طبيعيا كلما سهل تعلمه, فالموضوع الذي يكوّن وحدة طبيعية يكون أسهل في تعلمه بالطريقة الكلية عن الموضوعات المكونة من أجزاء لا رابطة بينها، إلاّ أنّ اتّباع الطّريقة الجزئية في التحصيل والتبليغ من أنْسَب الأساليب التربوية قدرة على التواصل بين الأجيال وهو ما تؤيّده تجارب الأقدمين كذلك. فقد عقد ابن خلدون لذلك فصلاً في مقدمته بعنوان(في أنّ كثرة التأليف في العلوم عائقة عن التحصيل)، جاء فيه: "اعلَمْ أنّهُ ممّا أضَرَّ بالنّاس في تحصيل العلمِ والوقوفِ على غاياتهِ كثرةُ التأليف واختلافُ الاصطلاحاتِ في التعليم، وتعدُّدُ طُرُقها، ثمّ مطالبَةُ المتعلِّم والتلميذ باستحضار ذلك. وحينئذٍ يسلَّمُ لهُ منصبُ التحصيلِ، فيحتَاجُ المتعَلِّمُ إلى حفظِها كلِّها أو أكثَرِها ومراعاةِ طُرُقها. ولا يفي عمًرُهُ بما كُتِبَ في صناعةٍ واحدةٍ إذا تجرَّد لها، فيقعُ القُصور ولا بُدَّ دون رِتْبَةِ التحصيل...وثمَّ إنَّهُ يُحْتَاجُ إلى تمييزِ (طرق القدماء)وطُرقِ المتأَخِّرينَ عنهم، والإحاطَةِ بذلك كلِّه، ..ٌ. والمتَعَلِّمُ مُطَالَبٌ باستحْضَارِ جميعِها وتمييزِ ما بينها، والعُمُرُ ينقضي في واحد منها. ولو اقتَصَرَ المعَلِّمُونَ بالمُتَعَلِّمينَ على المسائلِ المذهبِيَةِ فقط، لكانَ الأمرُ دون ذلك بكثيرٍ، وكان التَّعليمُ سهْلاً ومأْخَذُهُ قريباً؛ ولكَّنَهُ داءٌ لا يرتَفعُ لاستقرارِ العَوَائدِ عليه، فصارت كالطَّبيعةِ التي لا يمكنُ نقلُها ولا تحويلُها. ويمثَّلُ أيضاً عِلْمُ العَرَبِّيَةِ من كتابِ سيبويه(ت180هـ)ِ، وجميعِ ما كُتِبَ عليه، وطرقِ البَصْريينَ والكُوفيِّين والبَغْدَاديِّينَ والأندَلُسيِّين من بعدهم، وطرقِ المُتَقَدِّمينَ والمتَأَخِّرينَ مثلِ ابنِ الحَاجِبِ (ت646هـ) وابنِ مَالكٍ(ت682هـ) وجميعِ ما كُتِبَ في ذلك. وكيفَ يُطَالَبُ به المتَعَلِّمُ ، وينقَضي عُمُرُهُ دونَهُ، ولا يَطْمَعُ أحَدٌ في الغَايَةِ منهُ إلاَّ في القليلِ النَّادِرِ؟! "<br /> فلعلّ ابن خلدون قصد بذلك التّدريب الموزّع الذي يخضع لفترات متباعدة تتخللها فترات من الرّاحة. أما التدريب المركّز, فيتم في وقت واحد وفي دورة واحدة, وقد وجد أنه يؤدي إلى التعب والملل, ويكون عرضة للنسيان؛ وذلك لأن فترات الراحة التي تتخلل التدريب الموزّع تؤدي إلى تثبيت ما يتعلمه الفرد.<br /> على أنّ التّحصيل التربوي تحكمه عدّة عوامل نفسية وأخرى اجتماعية, ترجع إلى طبيعة الفروق الفردية أو إلى طبيعة التّوجيه الذي قد يحيي الرّغبة في الدّراسة أو النّفور منها, وكلّ هذا قد يؤثّر على نوعيّة التّحصيل سلبا أو إيجابا. وهو ما تسعى الدراسة التالية إلى عرض تفاصيله.</p>