الشباب ورهان التنمية في العالم العربي

Thumbnail Image
Date
2010-07-12
Authors
د. نعيم الغالي
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
Abstract
<p>يشهد العالم العربي منذ منتصف القرن العشرين نموا ديمغرافيا سريعا أدى إلى بروز تركيبة عمرية فتيّة لكنها متغايرة من بلد إلى آخر. ويبلغ عدد سكان العالم العربي 340 مليون نسمة سنة 2008 وترتفع نسبة الشبان إلى 36 % من مجموع السكان مما يتسبب في تضخم قاعدة هرم الأعمار في أغلب البلدان وفي ارتفاع نسب الإعالة وتضخم حجم الطلب على الخدمات الأساسية (التعليم والغذاء والصحة...) ومواطن الشغل مما يساهم في تزايد ضغوط مشكلتي البطالة والفقر وبروز تيارات الهجرة إلى الخارج وخاصة الهجرات السرية وهجرة الأدمغة.<br /> ورغم اعتماد أغلب البلدان العربية سياسات سكانية تهدف إلى ضمان الصحة الإنجابية والإنصاف بين الجنسين وتمكين المرأة وتحسين الدخل ونشر التعليم والعمل على تحقيق التنمية المستديمة، فإن الصعوبات التي تواجه الفئات الشابة ما فتئت تتعدد ومن المنتظر أن تتواصل بأكثر حدة في العقود القادمة نظرا لتواصل معدلات النمو السكاني العالية في ظل نمو اقتصادي متواضع.<br /> ومن أهم معيقات استثمار الطاقات الشابة في العالم العربي تواصل ارتفاع نسبة الأمية إلى 35 % وأكثر من ذلك في بعض البلدان وضعف نسبة الطلبة بالتعليم العالي وخاصة المسجلين في اختصاص العلوم والرياضيات والتقنية وضعف عدد العلماء والمهندسين العاملين بقطاعات البحث والتطوير وعدم توفر الإطار العام المناسب للاستفادة من خبراتهم مما ساهم في تصاعد تيار هجرة العقول العربية إلى الخارج حيث هاجر 23 % من المهندسين و50 % من الأطباء و15 % من جميع خريجي الجامعات العربية إلى أمريكا الشمالية والاتحاد الأوروبي وأستراليا. وتتعدد الخسائر الناجمة عن "هروب" الكفاءات العربية إلى الخارج وما يمثله من نزيف للطاقات المبدعة إضافة إلى تحمل الدول العربية تكلفة تعليمهم مما يمكن اعتباره معونة عكسية وإضاعة فرصة مساهمتهم في تنمية بلدانهم وهي الخسارة الأكبر.<br /> كما ترتفع نسبة البطالة في العالم العربي سنة 2006 إلى 14,6 % وأكثر من ذلك في عدة بلدان وتشمل ظاهرة البطالة الشبان أكثر من الكهول كما أصبحت تهدد خريجي الجامعات الذين يقضون سنوات للحصول على الوظائف في القطاع العمومي أو الخاص مما يفقد الثقة في جدوى التعليم ويهدد بتصاعد نزيف الطاقات والكفاءات عن طريق الهجرة إلى العالم المتقدم.<br /> إن إشكالية العلاقة بين الشباب والتنمية في العالم العربي تبدو معقّدة، فمن حيث التركيبة العمرية تبدو قاعدة أهرام الأعمار متضخمة ولكن الظرف الاقتصادي لأغلب البلدان العربية يصعّب تثمين الفئات الشابة وتوظيفها لتحقيق التنمية. ونعتبر الإطار العام الذي حصل خلاله الانتقال الديمغرافي بالعالم العربي غير ملائم، فهذه البلدان كانت إلى وقت قريب مستعمَرة استنزف الاستعمار الغربي ثرواتها ومنع سكانها من التعلّم وأجهض كل المحاولات الهادفة إلى تحقيق النهضة، كما تتدخل البلدان المهيمنة لتستغل ثروات العالم العربي ولتفرض عليه السياسات والشروط والقيود التي تضمن تواصل تبعيته للخارج.<br /> ومن ناحية أخرى تبدو الجهود المبذولة في بلدان العالم العربي من أجل مقاومة الأمية والفقر وتوزيع الثروة بشكل عادل وتطوير البحث العلمي محدودة في أغلب الحالات مما يجعل أفق العمل والاستثمار صعبة ومستحيلة بالنسبة لعدد غير قليل من الشبان خريجي الجامعات الذين يفضلون الهجرة إلى الخارج، كما أننا نلاحظ أن التعاون العربي في مستوى التشغيل محدود جدا حيث لا تمثل العمالة العربية سوى نسب ضعيفة من الأجانب في البلدان العربية النفطية إذا قارناها بالمهاجرين الآسيويين.<br /> يستند هذا البحث إلى إحصائيات جديدة ورسوم وخرائط توضّح التركيبة العمرية الشابة في العالم العربي والتحديات التي تواجه الشباب العربي وتعيق مساهمته الفعالة في كسب رهان التنمية.<br /> يتوصل البحث إلى مقترحات كفيلة بتجاوز التحديات التي تواجه الشباب العربي من بينها:<br /> • مقاومة التخلف بجميع أشكاله (الأمية والفقر والحروب والبطالة...) كأفضل وسيلة للحد من النمو الديمغرافي السريع<br /> • استثمار الطاقات الشابة واعتبارها ثروة وطنية تساهم في تحقيق التنمية وليس العكس، ويتحقق ذلك عن طريق:<br /> • نشر التعليم الهادف إلى تحقيق التنمية وذلك بدعم اختصاصات التقنيات المتطورة والعلوم التطبيقية في شتى الميادين كالفلاحة والصيد البحري وتربية الماشية والسياحة والصناعات والاتصالات والبحث العلمي والأشغال الكبرى ومهن الصيانة المتعلقة بالكهرباء والحواسيب والانترنت...<br /> • اعتبار التشغيل من أهم الأولويات على المستوى الوطني<br /> • تشجيع بعث المشاريع الصغرى المشغلة وتوفير القروض والمساعدات لخريجي الجامعات بهدف إدماجهم في سوق العمل...<br /> • دعم الهجرات العربية البينية وخاصة من البلدان العربية الفقيرة إلى البلدان النفطية الغنية<br /> • تحسين وضعية المرأة العربية وتعليمها وإشراكها في الحياة العامة لتتحمل مسؤولية المساهمة في التنمية<br /> • تطوير مخابر البحث العلمي وتجهيزها وتقديم الدعم اللازم للباحثين وفتح آفاق الرقي المهني والاجتماعي لتشجيعهم على الاستقرار ببلدانهم وتحمل مسؤولية دفع عجلة التنمية والتقدم</p>
<p>يشهد العالم العربي منذ منتصف القرن العشرين نموا ديمغرافيا سريعا أدى إلى بروز تركيبة عمرية فتيّة لكنها متغايرة من بلد إلى آخر. ويبلغ عدد سكان العالم العربي 340 مليون نسمة سنة 2008 وترتفع نسبة الشبان إلى 36 % من مجموع السكان مما يتسبب في تضخم قاعدة هرم الأعمار في أغلب البلدان وفي ارتفاع نسب الإعالة وتضخم حجم الطلب على الخدمات الأساسية (التعليم والغذاء والصحة...) ومواطن الشغل مما يساهم في تزايد ضغوط مشكلتي البطالة والفقر وبروز تيارات الهجرة إلى الخارج وخاصة الهجرات السرية وهجرة الأدمغة.<br /> ورغم اعتماد أغلب البلدان العربية سياسات سكانية تهدف إلى ضمان الصحة الإنجابية والإنصاف بين الجنسين وتمكين المرأة وتحسين الدخل ونشر التعليم والعمل على تحقيق التنمية المستديمة، فإن الصعوبات التي تواجه الفئات الشابة ما فتئت تتعدد ومن المنتظر أن تتواصل بأكثر حدة في العقود القادمة نظرا لتواصل معدلات النمو السكاني العالية في ظل نمو اقتصادي متواضع.<br /> ومن أهم معيقات استثمار الطاقات الشابة في العالم العربي تواصل ارتفاع نسبة الأمية إلى 35 % وأكثر من ذلك في بعض البلدان وضعف نسبة الطلبة بالتعليم العالي وخاصة المسجلين في اختصاص العلوم والرياضيات والتقنية وضعف عدد العلماء والمهندسين العاملين بقطاعات البحث والتطوير وعدم توفر الإطار العام المناسب للاستفادة من خبراتهم مما ساهم في تصاعد تيار هجرة العقول العربية إلى الخارج حيث هاجر 23 % من المهندسين و50 % من الأطباء و15 % من جميع خريجي الجامعات العربية إلى أمريكا الشمالية والاتحاد الأوروبي وأستراليا. وتتعدد الخسائر الناجمة عن "هروب" الكفاءات العربية إلى الخارج وما يمثله من نزيف للطاقات المبدعة إضافة إلى تحمل الدول العربية تكلفة تعليمهم مما يمكن اعتباره معونة عكسية وإضاعة فرصة مساهمتهم في تنمية بلدانهم وهي الخسارة الأكبر.<br /> كما ترتفع نسبة البطالة في العالم العربي سنة 2006 إلى 14,6 % وأكثر من ذلك في عدة بلدان وتشمل ظاهرة البطالة الشبان أكثر من الكهول كما أصبحت تهدد خريجي الجامعات الذين يقضون سنوات للحصول على الوظائف في القطاع العمومي أو الخاص مما يفقد الثقة في جدوى التعليم ويهدد بتصاعد نزيف الطاقات والكفاءات عن طريق الهجرة إلى العالم المتقدم.<br /> إن إشكالية العلاقة بين الشباب والتنمية في العالم العربي تبدو معقّدة، فمن حيث التركيبة العمرية تبدو قاعدة أهرام الأعمار متضخمة ولكن الظرف الاقتصادي لأغلب البلدان العربية يصعّب تثمين الفئات الشابة وتوظيفها لتحقيق التنمية. ونعتبر الإطار العام الذي حصل خلاله الانتقال الديمغرافي بالعالم العربي غير ملائم، فهذه البلدان كانت إلى وقت قريب مستعمَرة استنزف الاستعمار الغربي ثرواتها ومنع سكانها من التعلّم وأجهض كل المحاولات الهادفة إلى تحقيق النهضة، كما تتدخل البلدان المهيمنة لتستغل ثروات العالم العربي ولتفرض عليه السياسات والشروط والقيود التي تضمن تواصل تبعيته للخارج.<br /> ومن ناحية أخرى تبدو الجهود المبذولة في بلدان العالم العربي من أجل مقاومة الأمية والفقر وتوزيع الثروة بشكل عادل وتطوير البحث العلمي محدودة في أغلب الحالات مما يجعل أفق العمل والاستثمار صعبة ومستحيلة بالنسبة لعدد غير قليل من الشبان خريجي الجامعات الذين يفضلون الهجرة إلى الخارج، كما أننا نلاحظ أن التعاون العربي في مستوى التشغيل محدود جدا حيث لا تمثل العمالة العربية سوى نسب ضعيفة من الأجانب في البلدان العربية النفطية إذا قارناها بالمهاجرين الآسيويين.<br /> يستند هذا البحث إلى إحصائيات جديدة ورسوم وخرائط توضّح التركيبة العمرية الشابة في العالم العربي والتحديات التي تواجه الشباب العربي وتعيق مساهمته الفعالة في كسب رهان التنمية.<br /> يتوصل البحث إلى مقترحات كفيلة بتجاوز التحديات التي تواجه الشباب العربي من بينها:<br /> • مقاومة التخلف بجميع أشكاله (الأمية والفقر والحروب والبطالة...) كأفضل وسيلة للحد من النمو الديمغرافي السريع<br /> • استثمار الطاقات الشابة واعتبارها ثروة وطنية تساهم في تحقيق التنمية وليس العكس، ويتحقق ذلك عن طريق:<br /> • نشر التعليم الهادف إلى تحقيق التنمية وذلك بدعم اختصاصات التقنيات المتطورة والعلوم التطبيقية في شتى الميادين كالفلاحة والصيد البحري وتربية الماشية والسياحة والصناعات والاتصالات والبحث العلمي والأشغال الكبرى ومهن الصيانة المتعلقة بالكهرباء والحواسيب والانترنت...<br /> • اعتبار التشغيل من أهم الأولويات على المستوى الوطني<br /> • تشجيع بعث المشاريع الصغرى المشغلة وتوفير القروض والمساعدات لخريجي الجامعات بهدف إدماجهم في سوق العمل...<br /> • دعم الهجرات العربية البينية وخاصة من البلدان العربية الفقيرة إلى البلدان النفطية الغنية<br /> • تحسين وضعية المرأة العربية وتعليمها وإشراكها في الحياة العامة لتتحمل مسؤولية المساهمة في التنمية<br /> • تطوير مخابر البحث العلمي وتجهيزها وتقديم الدعم اللازم للباحثين وفتح آفاق الرقي المهني والاجتماعي لتشجيعهم على الاستقرار ببلدانهم وتحمل مسؤولية دفع عجلة التنمية والتقدم</p>
Description
Keywords
Citation