الأفكار السكانية في كتابات ابن خلدون

Thumbnail Image
Date
2012-11-08
Authors
د. عماد مطير الشمري
د. نغم اكرم
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
Abstract
<p>استأثر ابن خلدون باهتمام كثير من الدارسين والباحثين باعتباره أغنى المكتبة العربية والغربية بأفكاره العلمية في كثير من مجالات العلوم الإنسانية إن الفكر الجغرافي في "مقدمة" ابن خلدون ثري بالمعلومات الجغرافية، عامة وبالمعلومات المتعلقة بجغرافية السكان خاصة شامل لمعظم موضوعاتها بشكل يصعب حصره والوقوف عليه واستقصاؤه في مثل هذا البحث الذي قد لا يُظهر سوى جزء من كل في الفكر السكاني و الجغرافي الذي يمتلكه. ولعل الوقوف على المنهجية العلمية في عرض الأفكار السكانية في فكر ابن خلدون" من سمات هذا البحث الذي يحاول إيضاحها بصورة متفقة مع الهدف من الدراسة.<br /> لقد تناول ابن خلدون قضية السكان في مؤلفه "مقدمة ابن خلدون" حيث تحدث عن مزايا النمو السكاني. فقد رأى ابن خلدون أن النمو السكاني يخلق الحاجة الى تخصص الوظائف الذي بدوره يؤدي إلى دخول أعلى. وهي الفكرة التي تناولها آدم سميث فيما بعد في معرض حديثه عن تقسيم العمل. ويرى ابن خلدون أن النمو السكاني يتركز أساسا في المدن، ولذلك يشير ابن خلدون أن سكان المدن ذات الحجم الكبير أكثر رفاهية من المناطق ذات الحجم السكاني الأقل، والسبب الجوهري وراء ذلك هو الاختلاف في طبيعة الوظائف التي تؤدي المناطق المختلفة. ولكل مدينة هناك سوق للأنواع المختلفة من العمال وكل سوق يستوعب من الإنفاق الكلي ما يتناسب مع حجمه. و يذهب "أبن خلدون" إلى أن المجتمعات تمر خلال مراحل تطورية محددة تؤثر على عدد المواليد والوفيات في كل مرحلة, إذ يشهد المجتمع في المرحلة الأولى من تطوره زيادة معدلات المواليد ونقص في معدلات الوفيات بما يؤثر على نمو السكان ويزيد عددهم, وعندما ينتقل المجتمع إلى المرحلة الأخيرة من تطوره يشهد ظروفاً ديموجرافية مخالفة تماماً, حيث ينخفض فيها معدل الخصوبة والمواليد ويرتفع معدل الوفيات, وذلك باعتقاده في أن الخصوبة العالية في المرحلة الأولى من تطور المجتمع ترجع إلى نشاط السكان وثقتهم ومقدرتهم, أمّا في المرحلة الأخيرة من تطور المجتمع فتظهر المجاعات والأوبئة والثورات والاضطرابات. ويعتبر العلامة ابن خلدون ( 1332 – 1406هـ )من أوائل الذين تطرقوا للعلاقة بين السكان والتنمية بشيء من الدقة والتعمق، فقد ذكر في مقدمته المشهورة ( أن الترف يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها، والسبب في ذلك أن القبيل إذا حصل لهم الملك والترف، كثر التناسل والولد).ويقول: ( إن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من الغذاء، ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه، وهو قوت يوم من الحنطة مثلاً، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ، وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين والآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة، وهب أنه يأكله حباً من غير علاج، فهو أيضاً يحتاج في تحصيله حباً إلى أعمال أخرى أكثر من هذه، من الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من السنبل، فلابد من اجتماع القدرة الكثيرة من أبناء جنسه، ليحصل القوت له ولهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف).وما أثاره ابن خلدون من مثل يتعلق بالزراعة، يمكن تطبيقه اليوم على سائر الصناعات الثقيلة والخفيفة، وكذلك الخدمات التي تؤديها الشركات الكبيرة والمؤسسات العامة، مما يؤكد عمق النظرية ودقة انطباقها على الواقع العملي، وتأكيد أثر زيادة السكان في تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاهية. ويقرر ابن خلدون أنه متى زادت الأعمال ثانية، ثم زاد الترف تبعاً للكسب، وهذه الزيادة الجديدة في الكسب تؤدي إلى زيادة في الطلب، فتستنبط الصنائع، لإشباع هذا الطلب، ويزيد الدخل في المدينة لذلك ثانية، وتنفق سوق الأعمال بها أكثر من الأول، وكذا في الزيادة الثانية والثالثة. بمعنى أن زيادة السكان تؤدي إلى تقسيم العمل، فيزيد الإنتاج ويزيد الدخل، ومن ثم يزيد الطلب على السلع فتنشأ صناعات جديدة، وتحصل زيادات أخرى للدخل، وهكذا).ويرجع ابن خلدون السبب في نقص الغذاء، وانتشار المجاعات إلى الترف والفساد والانحطاط السياسي والأخلاقي، وليس لزيادة السكان كما أدعى مالتس، ولو كان الأمر كما زعم، لمات الآلاف من أبناء الصين والهند، ولما استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق وفرة غذائية تفوق الحاجة الغذائية بأضعاف كثيرة ويعالج البحث محورين أساسيين: الأول شخصية ابن خلدون الجغرافية من خلال لمحة عن حياته، والعوامل التي أدت إلى تنمية فكره الجغرافي، والمصادر التي زادت من ثقافته الجغرافية؛ بينما يركز المحور الثاني على الأفكار السكانية في كتاباته عبر الاستشهاد ببعض التخصصات الجغرافية التي احتوتها "مقدِّمتـ"ـه. تهدف الدراسة إلى إظهار بعض القضايا المنهجية التي طرحها ابن خلدون وأدرجها في "مقدمتـ"ـه نموذجاً للمصنفات التراثية الإسلامية والمتعلقة بطريقة المعالجة للمفاهيم والحقائق الجغرافية التي أوردها وأصبحت الآن منذ تنظيرها واقعاً ملموساً في البيئات الجغرافية لحصر موضوع الدراسة وجعله مناقشاً للهدف المرسوم، كان من الضروري ربطه بالإجابة على تساؤل محدد هو: ما طبيعة منهجية ابن خلدون في إبراز وعرض المعلومات السكانية الكائنة في مصنفه؟ ولتضييق هذا التساؤل الذي قد لا تتمكن الدراسة من الإحاطة به بهذا الإجمال، تم اختيار تساؤلات فرعية مستخلصة منه، وهي:<br /> ـ كيف أثرت شخصيته في تبني الأفكار الجغرافية؟<br /> ـ هل منهجيته ذات ارتباط بالتخصص العلمي الدقيق فقط؟<br /> ـ ما طبيعة الفلسفة الجغرافية في دراساته السكانية؟<br /> ـ كيف توصل إلى بعض الحقائق التي أصبحت مفاهيم نظرية؟<br /> وذكر الاختلاف بين البدو والحضر وعد النشاط الاقتصاديّ هو الذي يفصل حياة المجتمع. وفي هذا يقول سيفيتلانا باتسييفا:<br /> إن علاقة الحياة البدوية بالحياة الحضرية هي علاقة المرحلة السفلى بالمرحلة العليا لتطوُّرِ المجتمع. فالمرحلة السفلى هي مرحلة الإنتاج البدائي القليل التفاوت والمستوى الأدنى للحياة؛ والمرحلة العليا هي مرحلة الإنتاج المتنوع والمتطور. والتحول من المرحلة السفلى إلى المرحلة العليا هو نتيجة لحشد القوى العاملة في مكان واحد ونزوح سكان القرى إلى المدن ().</p>
<p>استأثر ابن خلدون باهتمام كثير من الدارسين والباحثين باعتباره أغنى المكتبة العربية والغربية بأفكاره العلمية في كثير من مجالات العلوم الإنسانية إن الفكر الجغرافي في "مقدمة" ابن خلدون ثري بالمعلومات الجغرافية، عامة وبالمعلومات المتعلقة بجغرافية السكان خاصة شامل لمعظم موضوعاتها بشكل يصعب حصره والوقوف عليه واستقصاؤه في مثل هذا البحث الذي قد لا يُظهر سوى جزء من كل في الفكر السكاني و الجغرافي الذي يمتلكه. ولعل الوقوف على المنهجية العلمية في عرض الأفكار السكانية في فكر ابن خلدون" من سمات هذا البحث الذي يحاول إيضاحها بصورة متفقة مع الهدف من الدراسة.<br /> لقد تناول ابن خلدون قضية السكان في مؤلفه "مقدمة ابن خلدون" حيث تحدث عن مزايا النمو السكاني. فقد رأى ابن خلدون أن النمو السكاني يخلق الحاجة الى تخصص الوظائف الذي بدوره يؤدي إلى دخول أعلى. وهي الفكرة التي تناولها آدم سميث فيما بعد في معرض حديثه عن تقسيم العمل. ويرى ابن خلدون أن النمو السكاني يتركز أساسا في المدن، ولذلك يشير ابن خلدون أن سكان المدن ذات الحجم الكبير أكثر رفاهية من المناطق ذات الحجم السكاني الأقل، والسبب الجوهري وراء ذلك هو الاختلاف في طبيعة الوظائف التي تؤدي المناطق المختلفة. ولكل مدينة هناك سوق للأنواع المختلفة من العمال وكل سوق يستوعب من الإنفاق الكلي ما يتناسب مع حجمه. و يذهب "أبن خلدون" إلى أن المجتمعات تمر خلال مراحل تطورية محددة تؤثر على عدد المواليد والوفيات في كل مرحلة, إذ يشهد المجتمع في المرحلة الأولى من تطوره زيادة معدلات المواليد ونقص في معدلات الوفيات بما يؤثر على نمو السكان ويزيد عددهم, وعندما ينتقل المجتمع إلى المرحلة الأخيرة من تطوره يشهد ظروفاً ديموجرافية مخالفة تماماً, حيث ينخفض فيها معدل الخصوبة والمواليد ويرتفع معدل الوفيات, وذلك باعتقاده في أن الخصوبة العالية في المرحلة الأولى من تطور المجتمع ترجع إلى نشاط السكان وثقتهم ومقدرتهم, أمّا في المرحلة الأخيرة من تطور المجتمع فتظهر المجاعات والأوبئة والثورات والاضطرابات. ويعتبر العلامة ابن خلدون ( 1332 – 1406هـ )من أوائل الذين تطرقوا للعلاقة بين السكان والتنمية بشيء من الدقة والتعمق، فقد ذكر في مقدمته المشهورة ( أن الترف يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها، والسبب في ذلك أن القبيل إذا حصل لهم الملك والترف، كثر التناسل والولد).ويقول: ( إن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من الغذاء، ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه، وهو قوت يوم من الحنطة مثلاً، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ، وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين والآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة، وهب أنه يأكله حباً من غير علاج، فهو أيضاً يحتاج في تحصيله حباً إلى أعمال أخرى أكثر من هذه، من الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من السنبل، فلابد من اجتماع القدرة الكثيرة من أبناء جنسه، ليحصل القوت له ولهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف).وما أثاره ابن خلدون من مثل يتعلق بالزراعة، يمكن تطبيقه اليوم على سائر الصناعات الثقيلة والخفيفة، وكذلك الخدمات التي تؤديها الشركات الكبيرة والمؤسسات العامة، مما يؤكد عمق النظرية ودقة انطباقها على الواقع العملي، وتأكيد أثر زيادة السكان في تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاهية. ويقرر ابن خلدون أنه متى زادت الأعمال ثانية، ثم زاد الترف تبعاً للكسب، وهذه الزيادة الجديدة في الكسب تؤدي إلى زيادة في الطلب، فتستنبط الصنائع، لإشباع هذا الطلب، ويزيد الدخل في المدينة لذلك ثانية، وتنفق سوق الأعمال بها أكثر من الأول، وكذا في الزيادة الثانية والثالثة. بمعنى أن زيادة السكان تؤدي إلى تقسيم العمل، فيزيد الإنتاج ويزيد الدخل، ومن ثم يزيد الطلب على السلع فتنشأ صناعات جديدة، وتحصل زيادات أخرى للدخل، وهكذا).ويرجع ابن خلدون السبب في نقص الغذاء، وانتشار المجاعات إلى الترف والفساد والانحطاط السياسي والأخلاقي، وليس لزيادة السكان كما أدعى مالتس، ولو كان الأمر كما زعم، لمات الآلاف من أبناء الصين والهند، ولما استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق وفرة غذائية تفوق الحاجة الغذائية بأضعاف كثيرة ويعالج البحث محورين أساسيين: الأول شخصية ابن خلدون الجغرافية من خلال لمحة عن حياته، والعوامل التي أدت إلى تنمية فكره الجغرافي، والمصادر التي زادت من ثقافته الجغرافية؛ بينما يركز المحور الثاني على الأفكار السكانية في كتاباته عبر الاستشهاد ببعض التخصصات الجغرافية التي احتوتها "مقدِّمتـ"ـه. تهدف الدراسة إلى إظهار بعض القضايا المنهجية التي طرحها ابن خلدون وأدرجها في "مقدمتـ"ـه نموذجاً للمصنفات التراثية الإسلامية والمتعلقة بطريقة المعالجة للمفاهيم والحقائق الجغرافية التي أوردها وأصبحت الآن منذ تنظيرها واقعاً ملموساً في البيئات الجغرافية لحصر موضوع الدراسة وجعله مناقشاً للهدف المرسوم، كان من الضروري ربطه بالإجابة على تساؤل محدد هو: ما طبيعة منهجية ابن خلدون في إبراز وعرض المعلومات السكانية الكائنة في مصنفه؟ ولتضييق هذا التساؤل الذي قد لا تتمكن الدراسة من الإحاطة به بهذا الإجمال، تم اختيار تساؤلات فرعية مستخلصة منه، وهي:<br /> ـ كيف أثرت شخصيته في تبني الأفكار الجغرافية؟<br /> ـ هل منهجيته ذات ارتباط بالتخصص العلمي الدقيق فقط؟<br /> ـ ما طبيعة الفلسفة الجغرافية في دراساته السكانية؟<br /> ـ كيف توصل إلى بعض الحقائق التي أصبحت مفاهيم نظرية؟<br /> وذكر الاختلاف بين البدو والحضر وعد النشاط الاقتصاديّ هو الذي يفصل حياة المجتمع. وفي هذا يقول سيفيتلانا باتسييفا:<br /> إن علاقة الحياة البدوية بالحياة الحضرية هي علاقة المرحلة السفلى بالمرحلة العليا لتطوُّرِ المجتمع. فالمرحلة السفلى هي مرحلة الإنتاج البدائي القليل التفاوت والمستوى الأدنى للحياة؛ والمرحلة العليا هي مرحلة الإنتاج المتنوع والمتطور. والتحول من المرحلة السفلى إلى المرحلة العليا هو نتيجة لحشد القوى العاملة في مكان واحد ونزوح سكان القرى إلى المدن ().</p>
Description
Keywords
Citation