الأثر المترتب على الشروع في الانتحار وبيــان أحكامه من منظور الشريعة والقانون

Abstract
من أهم الصفات المميزة للتشريع الإسلامي حفاظه على سعادة الإنسان، قال تعالى قالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (طه، آية:123) وأهم ما يطلبه الناس العقلاء في أنظمتهم التي يخضعون لها هي أن تحقق لهم أقصى قدر ممكن من الضمانات الكافية للمحافظة على دينهم وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم، وما لم تتحقق لهم الضمانات في المجال النظري والتطبيقي، فإن قبولهم للانضواء تحت هذا النظام أو ذاك والاستمرار في التبعية له يبقى أمرًا مشكوكًا فيه. والشريعة الإسلامية حوت في تشريعاتها جميع النصوص الكافية للحفاظ على الضرورات في حياة البشر: (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال) ويأتي في أوليات اهتمام الإسلام حفاظه على النفس البشرية، حيث اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون وجودها أصلاً لعمارة الكون المسخر لخدمتها (عودة،24:2001). الانتحار ظاهرة اجتماعية تستوجب الدراسة والاهتمام الشديد بها؛ لما لها من الآثار السيئة على الفرد من جهة، وعلى المجتمع من جهة أخرى.فهي سلوك غير سوي يصاحبه إضرار بالمجتمع ومس بكيانه القائم وأمنه السائد؛ إذ المنتحر كان يظن أن خروجه من ساحة الحياة أمر خاص به وحده فقط ، وتناسى في زحمة المشاكل وخضم الحياة أن تخليه عن وظيفته، فيه من الضرر على مجتمعه ما فيه، وبانتحاره يخسر المجتمع طاقة من طاقاته، وعنصراً فعالاً من عناصره (العظيمل،54:1419). فإذا كانت فكرة القتل بغير حق جرثومة إفساد في الإنسانية ، فإن فكرة قتل الإنسان نفسه أشد فسادًا وأعظم خطرًا ؛ إذ إن هذه الجرثومة تحمل في صورها ومعناها سقوط الإنسانية من رتبة التكريم ومقام الخلافة التي من أجلها وجد الإنسان لعمارة هذا الكون؛ قال تعالى وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (البقرة، آية :30). وقد يأخذُ الناسُ الانتحار بالاعتبار عندما يَشعرون باليأس ولا يكون بإمكانهم رُؤية أي حلّ آخر لمشاكلهِم. وهو يَرتبط غالباً بالاكتئاب الشديد وبمعاقرَة الكحول أو إدمان مادّة أو بحدث يثير توتّراً نفسياً كبيراً. تحدث مُعظمُ حالات الموت بِسبب الانتحار بين الرجال بيض البَشرة. بيد أنَّ التقارير تُفيد بمحاولات أكثر للانتحار بينَ النساء والمُراهقين. إذا تكلّم شخصٌ ما عن الانتحار، فيجب أخذه على مَحمل الجد. وينبغي حثه على الحُصول على مُساعدَة عند طبيب أو في غرفة الطوارئ. كما يُوجد في بعضِ المَناطق خُطوطٌ ساخنة للوِقايَة من الانتحار يستطيع الناس الاتصال بها ليحصلوا على استشارة فَوريّة عندما تكون عِندهم أفكار انتحاريّة. ويمكن أن تُساعد المُعالجة النفسية والأدوية معظم من عِندهم أفكار انتحاريّة. ويُمكنُ لعلاج الأمراض النفسيّة ومُعاقَرة مواد الإدمان أن يُقلل خُطورة الانتحار(سمعان،6:1984). لا خلاف أن الانتحار حرام بل وكبيرة لأنه قتل للنفس التي حرم الله إلا بالحق! وهذا ما جاء القرآن الكريم في قوله: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً(الفرقان،آية:67). وكذلك جاء الوعيد الشديد بشأنه في أقوال الرسول, مثل ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن شرب سماً ، فقتل نفسه فهو يحتساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا". إن السلوك الانتحاري قديم قدم المجتمع الإنساني، وبرغم قدم الاهتمام به إلا أن تاريخ البحث العلمي فيه قصير إذا ما قورن بقدم موضوع الانتحار، وقد يرجع ذلك إلى ما لموضوع الانتحار من حرمة تتعلق بما يحيط به من مشاعر وانفعالات، ولما له من حساسية اجتماعية ودينية قد تصل إلى حد الحرج، وكذلك لعدم انتشاره كظاهرة سلوكية جديرة بالدراسة، الأمر الذي جعل معظم الباحثين يحجمون عن تناول موضوع الانتحار لفترة طويلة. ولكن أمام التقدم التكنولوجي السريع والضغوط الاقتصادية الشديدة التي يتصف بها العصر الحالي، أصبح الانتحار ظاهرة سلوكية زاد انتشارها في المجتمع الفلسطيني وذلك نتيجة الإحباطات التي يقابلها الأفراد وعجزهم عن ملاحقة خصائص الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة التي يمر بها المجتمع الفلسطيني، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، كما ترتب على ذلك الشعور بالاكتئاب واليأس ويدفع إلى التفكير في الانتحار (الشمري،3:2014). ولاشك أن هناك عدداً من المتغيرات يمكن اعتبارها عوامل سابقة أو متهيئة للسلوك الانتحاري، وبعض هذه المتغيرات هي: النوع والسلالة، والشعور بعدم القيمة، والصراع البين، شخصي، والعزلة الاجتماعية، وسوء استخدام العقاقير والكحول، وأخيراً أحداث الحياة الضاغطة.
Description
Keywords
Citation